هل للأسماك مشاعر؟ ربما نقترب من الإجابة

الأسماك واعية، والدليل على أنها قادرة على الشعور بالألم بطريقة مماثلة للبشر يتزايد تدريجيًا. تشير الأبحاث إلى أن بعض الأنواع يمكنها التعلم وتكوين العلاقات وتجربة الألم. في تجربة حديثة، وُضعت علامة تحت رقبة عدد من الأسماك عندما كانت مخدّرة، لكيلا تلاحظ. وعندما وُضعت أمام مرآة، وجهت الأسماك أجسادها لرؤية العلامة، وحاولت فركها عن طريق كشط نفسها على الصخور، ما يدلّ على أنها تعرّفت على نفسها بالمرآة. في هذه المقالة نبيّن بعض التجارب العلميّة التي أُجريت على الأسماك، والتي تُظهر بوضوح دلائل على وعيها. وتأثير ذلك على موقفنا نحوها.

قبل ذلك:

هناك أسباب مقنعة لإدراج الأسماك في "دائرتنا الأخلاقية" ومنحها الحماية التي تستحقها. في عام 2011 وجدت تجربة مثيرة للاهتمام أن الأسماك تخفّف توترها عن طريق الاتصال الجسدي المهدئ. وقد درس الباحثون سمكة الجرّاح (surgeonfish) التي تعيش في الشعاب المرجانية، وقد وجدوا أنها تزور بشكل متكرر سمكة أصغر تعرف باسم أسماك الراس المنظّفة. ويشترك النوعان في علاقة مفيدة للطرفين حيث تأكل أسماك الراس المنظّفة الطفيليات والجلد الميت من سمكة الجراح. في التجربة، عرض العلماء مجموعة من أسماك الجراح لنماذج من أسماك الراس المنظفة التي تتحرك ميكانيكيًا، في حين تم تعريض مجموعة أخرى من أسماك الجراح لنماذج أسماك الراس غير المتحركة. وكان لدى أسماك الجراح التي تم مداعبتها بلطف وتحفيزها بوساطة النماذج الميكانيكية مستويات أقل بكثير من هرمون الكورتيزول – وهو الهرمون المرتبط بالتوتر - من تلك التي كانت نماذجها ثابتة. وتظهر لنا دراسات مثل هذه أن الأسماك تشعر بالراحة والاسترخاء من خلال الاتصال الجسدي، على غرار الطريقة التي يمكن أن يساعد بها العلاج بالتدليك الصحة العقلية للبشر.

ما هي المشاعر التي تختبرها الأسماك؟

ظاهريًا، يبدو أن الأسماك والبشر يشتركون في القليل جدًا من القواسم المشتركة. ولكن بالنظر إلى ما وراء الاختلافات السطحية، اكتشف العلماء أن الأسماك تُظهر مشاعر مماثلة لتلك التي نختبرها. أحدها هو الشعور بالاستمتاع. فالأسماك التي تعيش في أحواض السمك تتجول عبر تيارات الفقاعات وكأنها تركب قطارات الملاهي، وأسماك الراي تقفز من الماء عدة أمتار في الهواء دون غرض واضح سوى الاستمتاع الخالص. يمكن للأسماك أيضًا أن تكون دقيقة في اختيار رفيق، وعندما تنفصل عن شريكها المختار، تصبح أكثر تشاؤمًا. اكتشفت دراسة أجريت عام 2019 هذا من خلال تقديم اثنين من رفقاء الأسماك المحتملين والسماح لها باختيار المفضل. تم إقران بعض الإناث بالذكور الذين اختارتهم، بينما علقت أخريات غير محظوظات مع الذكور الذين رفضنهم. وخلال التجربة، أظهرت الأسماك التي لم تحصل على شريكها المرغوب فيه تفاؤلاً أقل بشكل عام. هناك أيضًا أدلة على أن الأسماك قادرة على الشعور بالخوف. اختبر الباحثون هذا الأمر من خلال تعريض سمك السلمون المرقط لمحفزات مخيفة، وإغراق شبكة في حوض سمك السلمون المرقط كلما تم تشغيل ضوء معين. تعلمت سمكة السلمون المرقط ربط هذا الضوء بالشبكة المخيفة، وكانت تهرب إلى بر الأمان عندما كان الضوء يُضاء، حتى قبل غمر الشبكة في الماء. وبقي هذا الخوف مع سمكة السلمون المرقط لمدة أسبوع كامل على الأقل.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

هل تعاني الأسماك من الألم؟

الصورة عبر Jeremy Cai على unsplash

نعم، تعاني الأسماك من الألم الجسدي والعاطفي. يقول العلماء إنه من المحتمل أن يكون نوعًا مختلفًا عما يعانيه البشر، لكنه ألم على أي حال. تحتوي الأسماك على نهايات عصبية ــــــ تسمى مستقبلات الألم ــــــ تنبه أجسامها إلى الضرر المحتمل مثل درجات الحرارة المرتفعة والضغط الشديد والمواد الكيميائية الضارة. كما تنتج الأسماك مسكنات الألم الطبيعية نفسها التي تنتجها الثدييات، والتي تسمى المواد الأفيونية. وعلى غرار الثدييات والطيور وغيرها من الفقاريات التي تعيش على الأرض، تتعرض الأسماك لاندفاع من التيارات الكهربائية التي تمر عبر أدمغتها عندما تتأذّى. لسوء الحظ، فإن العديد من الأساليب المستخدمة في صيد الأسماك التجارية تعرض الأسماك لكلا النوعين من المعاناة، الجسدية والعاطفية. وجدت دراسة أجريت عام 2019 أن أسماك القدّ والحدوق التي تم اصطيادها بالشباك الجرافة بقيت واعية حتى بعد ساعتين من سحبها من الماء.

هل تشعر الأسماك بالألم عندما يتم اصطيادها بالسنارة؟

الصورة عبر Sticker Mule على unsplash

لا شك أن الأسماك تشعر بالألم عندما تعلق بسنارة الصيد؛ فللأسماك تركيز عالٍ من مستقبلات الألم داخل وحول أفواهها وشفتيها، حيث يتم ثقبها عادةً بخطاف. وقد وجدت إحدى الدراسات أنه عند تعريض أسماك السلمون المرقط لحافز مؤلم، يتغير سلوكها ووظائفها الفيزيولوجية لفترة طويلة، ما يشير إلى أنها شعرت بتأثيرات الألم. في حين أنها، عند حقنها بالمورفين - وهو عقار يخفف الألم – إضافة إلى الحافز المؤلم، بقي سلوكها ووظائفها الفيزيولوجية طبيعيين. وهذا يوضح أن التعرض للألم يغير حالتها العقلية، على غرار ما يفعله الألم بالبشر والثدييات الأخرى.

هل للأسماك أفكار؟

عند البشر، الفكرة هي تمثيل أدمغتنا لشيء أدركناه بحواسنا، أو شعرنا به بعواطفنا، أو شكلناه كخطة عمل. يتم "تخزين" العديد من الأفكار في أدمغتنا كذكريات. أثبتت التجارب العلمية أن الأسماك قادرة على تخزين معلومات مهمة عن محيطها في ذاكرتها، والتصرف وفقًا لذلك. فأسماك السلمون مثلًا تستطيع الاعتماد على حاسة الشمّ للعودة إلى موطنها خلال مواسم التزاوج إلى الجداول التي ولدت فيها، والتي تبعد عنها في أغلب الحالات آلاف الكيلومترات. وتتضمن تجربة أخرى تدريب الأسماك على إيجاد طريق للهروب من شبكة اصطناعية؛ إذ تتعلم التهرب من الشبكة بسرعة، وتتذكر كيفية ذلك إذا وُضعت هناك مرة أخرى، حتى بعد مرور عام.

خمس حقائق سريعة عن الأسماك:

الصورة عبر Jeremy Bishop على unsplash

1- نوم الأسماك فيه مراحل تشابه نوم الإنسان.

2- يمكن للأسماك إجراء بعض العمليات الحسابية الأساسية.

3- بعض الأسماك كالقروش حساسة للموجات الكهربائية، وتغير ترددها الكهربائي عند السباحة بجوار سمكة أخرى بنفس التردد، لتجنب الارتباك.

4- تستخدم بعض الأسماك الأدوات؛ فسمكة الأنياب تفتح الأصداف عن طريق إطلاقها على الصخور القريبة.

5- تتمتع الأسماك الذهبية بذاكرة جيدة.

الخاتمة:

الصورة عبر Renate Helgerud على unsplash

إذا كان بإمكان الأسماك أن تشعر، فماذا بعد؟ على الرغم من وفرة المعلومات المتاحة بين أيدينا عن الأسماك وقدراتها المعرفية والعاطفية، فإن صيد الأسماك التجارية ومزارع الأسماك الصناعية تستمر في إجبار الأسماك على تحمل المعاملة القاسية كل يوم. لقد آن الأوان لمنح الأسماك نفس الحقوق الأساسية التي تتمتع بها الحيوانات الأخرى.

المزيد من المقالات