كاممبير، الجبن الثوري: كيف أدى لقاء صدفة أثناء الثورة الفرنسية إلى إنتاج جبن رائع

ربما سمعت عن جبن كاممبير من قبل. إنه الأخ الأصغر الأقل شهرة لجبن بْري. وفقًا لقصص المنشأ الأولى، يعود جبن بْري إلى القرن الخامس، ما يجعل جبن كاممبير أصغر سنًا بأكثر من ألف عام، وأحيانًا يُنظر إليه على أنه ليس أكثر من منتج فرعي من جبن بري. في هذه المقالة نتحدّث عن نشأة جبن كاممبير، وعن الاختلافات والتشابهات بينه وبين سلفه جبن بْري...

البداية:

تقول الأسطورة أنه في عام 1791، في خضمّ الثورة الفرنسية، أخذت مزارعة تدعى ماري هامل كاهنًا لإخفائه من جحافل الثوار الغاضبين الذين أرادوا قتله. كان هذا الكاهن من بلدة بْري، أو على الأقل من مكان قريب، حيث تعلم كل أسرار صناعة الجبن. وفي مقابل إخفائه، أو ربما لأنهما كانا يرغبان حقًا في بعض الجبن، أخبرها كيف تصنع جبن بْري ممتازًا. أثناء التصنيع، حدث خطأ ما، وابتكر الإثنان بدلاً من ذلك جبن كاممبير.

هناك فرضية أخرى تفيد بوجود أدلّة على جبن كاممبير في وادي نورماندي، يمكن إرجاعها إلى ثمانينيات القرن السابع عشر. ربما قامت ماري هامل لاحقًا بتحسين الطريقة أو صنعت نسخة أعجب بها الجميع أكثر. في بدايته ولعدة سنوات بعد ذلك، كان جبن كامامبير من الأطعمة الشهية المحلية. ولأن الجبن طري فمن السهل أن يتلف أثناء النقل. لهذا السبب، كان أصدقاء ماري هامل والمدن المجاورة هم من يأكلونه في الغالب. في الواقع، لم يخطر ببال أحد حتى تسمية الجبن في هذه المرحلة. وظلّ الأمر كذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما دخل نابليون الصورة. يبدو أنه كان في المنطقة وعرض عليه السكان المحليون بعض الجبن. أحب نابليون الجبن كثيراً وسأل من أين أتى. وعندما قيل له اسم القرية، قال، "حسنًا، من الآن فصاعدًا ستُعرف باسم كاممبير".

العالمية:

قدمت الثورة الصناعية في تسعينيات القرن التاسع عشر أخيراً جبن كاممبير للعالم. يمكننا أن نشكر وسائل النقل الحديثة، والمهندس الفرنسي المسمى ريدل على ذلك. فقد أدى انتشار القطارات التي تعبر البلاد، والقوارب البخارية إلى منح جبن الكاممبير رحلة أكثر موثوقية وسلاسة من مكان إلى آخر. لكن العبقرية الحقيقية جاءت من ريدل، الذي اخترع العلبة الخشبية الذي يوضع فيها. وحتى اليوم، غالبًا ما يُباع جبن الكاممبير في علبة خشبية تستخدم لنقله بأمان من مكان إلى آخر.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

استغرق الأمر مئة عام حتى انبثقت جبنة كامامبير من موطنها الأصلي، وثلاثين عامًا أخرى حتى أصبحت جزءًا ثقافيًا من المشهد الفرنسي. وخلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت جبنة كامامبير هي المفضلة لدى الجنود الفرنسيين، وعندما عادوا إلى ديارهم، استمروا في المطالبة بها. وساعد الجنود جبنة كامامبير في اتخاذ خطواتها الأخيرة لتصبح متكاملة تمامًا مع نفسيات الشعب الفرنسي.

حصلت جبنة كامامبير على وضع Appelation d’Origine Controlée (AOC) في عام 1983، وهي تسمية تمنح للمنتجات التي تحقّق جودة واستمرارية دائمة. ومن المثير للاهتمام، أنه في حين أن أصل الجبن محمي، فإن التسمية البسيطة "كاممبير" ليست محمية. لا يزال من الممكن تسمية الجبن بهذا الاسم حتى لو لم تتبع معايير AOC. إذا كنت تريد التأكد من نوع الجبن الذي تأكله تستطيع إلقاء نظرة على العلبة الخشبية، والبحث عن ختم AOC الرسمي عليها. وكما يوحي الاسم الرسمي، يتم تصنيع جبنة كاممبير حصريًا في نورماندي على الحدود الشمالية لفرنسة. إن نقطة الخلاف الحقيقية بين النسختين المختلفتين هي أن جبن الكاممبير الذي يخضع لرقابة AOC يجب أن يُصنع من حليب غير مبستر. وبسبب المخاوف الصحية، تحول العديد من منتجي الكاممبير إلى الحليب المبستر. في الواقع، تحول اثنان من أكبر منتجي الكاممبير، إلى الحليب المبستر في عام 2007. وقد أدى هذا إلى فقدانهما وضع AOC ، وتقليص عدد المنتجين الرسميين إلى خمسة. قبل التحول، كانت هاتان الشركتان تنتجان 90 في المئة من الكاممبير في فرنسة. وهذا يجعل هذا الجبن منتشرًا على نطاق واسع بشكل غريب ولكنه حصري في نفس الوقت.

إنضاج الكاممبير:

صورة من wikimedia

يتم نضج الكاممبير على السطح، ما يعني رش سطحه ببكتيريا Penicillum camemberti قبل تركه ليعتّق لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع. وهذا يخلق القشرة ذات اللون الأبيض (والتي تراها أيضًا في جبن بري). ولكن في زمن ماري هامل، كان الجزء الخارجي من جبن الكاممبير أخضر أو ​​رماديًا مخضرًا. ويناقش بيير بوازار، مؤلف كتاب "كاممبير: أسطورة وطنية"، كيف كانت الصحف والرسائل في ذلك الوقت تصف الكاممبير بهذه الطريقة بشكل روتيني. ولم تتطور القشرة البيضاء كما نعرفها حتى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. ويرى المؤلف أن هذا التغير في لون القشرة يرتبط بلويس باستور ونظرية الجراثيم. فبمجرد أنْ علم الناس بالجراثيم، اعتقدوا أن الكاممبير الأخضر يبدو متعفنًا وغير نظيف وبدؤوا في تفضيل الإصدارات المتحولة وراثيًا من الكاممبير ذات القشور البيضاء. واليوم، تحتوي جميع أنواع الكاممبير على قشور بيضاء، وإذا رأيت واحدة بقشرة خضراء، فربما يجب عليك الركض في الاتجاه المعاكس.

إن هذا التغيير في القشور البيضاء هو ما يجعل جبن كامامبير وبري يبدوان متشابهين في بعض الأحيان. فلكل منهما قشرة بيضاء ناضجة على السطح. هل الاختلاف الوحيد بينهما هو أن ماري هامل صنعت جبنها باللون الأخضر عن طريق الخطأ في الأصل؟ ليس تمامًا. أولاً، هناك الحجم. عادة ما يتم تصنيع جبن بري في عجلات يبلغ قطرها من 22 إلى 37 سنتيمترًا، أما قطر جبن كامامبير فيبلغ حوالي 10 سنتيمترات، ما يجعله أصغر بكثير. أثناء عملية الإنتاج، تُضاف الكريمة إلى جبن بري، ما يمنحه محتوىً دهنيًا أعلى. من ناحية أخرى، يحتوي جبن كامامبير على مبادئات حليبية أقوى، ما يعني أن طعم ورائحة جبن كامامبير أقوى. هنالك أيضًا فرق عند مقارنة العجينة: عادة ما يكون جبن بْري أبيض وشبه طري من الداخل ولكنه يحتفظ بشكله، في حين يكون جبن كامامبير أصفر من الداخل، وعند درجة حرارة الغرفة، يكون قوام الكاممبير مائعًا في أغلب الأحيان. يتميز الكاممبير بطعم ترابي أكثر من البْري. كما يحتوي على لمحات من طعم الفطر والكمأة. يجب أن يتعتّق لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل قبل اعتباره صالحًا للأكل. يحب الفرنسيون تناول الكاممبير عندما يكون في أفضل حالاته، أي بعد 30 إلى 35 يومًا.

صورة من pixabay

جبن كاممبير هو وليد صدفة. يمكن اعتباره طفل الثورة الفرنسية، إذ وُلد بينما كانت فرنسة تتخلص من النظام الملكي. ولكنه الآن أصبح بالغًا، ومطلوبًا لمذاقه في الكثير من الأرجاء، في فرنسة وخارجها.

المزيد من المقالات