ابن الهيثم: أبو البصريات في العصور الوسطى. (التاريخ، العلوم)

كان ابن الهيثم، شخصية بارزة في مجال البصريات والرياضيات خلال العصر الذهبي الإسلامي. ولد حوالي عام 965 في البصرة، العراق، وقدم مساهمات كبيرة في مبادئ البصريات واستخدام التجارب العلمية.

الحياة المبكرة والتعليم

ولد ابن الهيثم في عائلة ذات أصول عربية أو فارسية في البصرة بالعراق. تلقى تعليمه في البصرة وبغداد. في البداية، تم تدريبه على وظيفة الخدمة المدنية وعُين قاضياً في البصرة. ومع ذلك، وبسبب وجود حركات دينية مختلفة ذات وجهات نظر متنوعة ومتضاربة في ذلك الوقت، أصيب بخيبة أمل من الدراسات الدينية وقرر تكريس وقته وجهده لدراسة العلوم.

تلقى ابن الهيثم تعليمًا شاملاً في مجالات المعرفة المختلفة، بما في ذلك الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك والدين الإسلامي. تلقى تعليمه في البصرة وبغداد، اللتين كانتا مركزين رئيسيين للتعليم خلال العصر الذهبي الإسلامي. كان نظام التعليم في ذلك الوقت ذا قيمة عالية في المجتمع الإسلامي وكان معروفًا بتركيزه على مختلف التخصصات الأكاديمية.

وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة بمصر، ثم حكمها الحاكم الخليفة الفاطمي الذي رعى العلوم وخاصة علم الفلك. ويقال إن ابن الهيثم قدم اقتراحًا إلى الخليفة لبناء سد (في نفس الموقع الذي يوجد فيه سد أسوان اليوم) من أجل ترويض نهر النيل المضطرب. ومع ذلك، فإن المؤرخين والمؤرخين يختلفون حول صحة الفرضية المذكورة أعلاه.

وبعد أن أدرك أن بناء سد على النهر قد لا يمنع مجرى المياه من إغراق ضفتيه، تظاهر بالجنون لتجنب إعدامه على يد الحاكم سيئ السمعة. واحتجز الهيثم في منزله من سنة 1011 إلى سنة 1021 حتى توفي الحاكم. وأثناء احتجازه، كتب "كتاب البصريات" الذي يعتبر من روائعه، كما ألف أيضًا مقالات عن علم الفلك والفلسفة ونظرية الأعداد والهندسة. أتاحت فترة العزلة هذه لابن الهيثم التركيز على بحثه العلمي ووضع الأساس لمساهماته المستقبلية في مجال البصريات ومجالات العلوم الأخرى.

المساهمات في علم البصريات

يشتهر ابن الهيثم بعمله المؤثر، كتاب المناظر، الذي كتبه بين عامي 1011 و1021. وقد شرح هذا العمل بشكل صحيح وأثبت نظرية الإدخال الحديثة للإدراك البصري. وقال إن الرؤية تحدث عندما تستقبل العين أشعة الضوء بشكل سلبي من الأشياء، وليس انبعاثًا نشطًا لأشعة الضوء من العين. جمع عمله بين التجربة والتفكير الرياضي.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

وهو أول من وصف أجزاء العين المختلفة بدقة وقدم تفسيراً علمياً لعملية الرؤية. كما حاول تفسير الرؤية بالعين المجردة وقدم تفسيراً صحيحاً للزيادة الظاهرة في حجم الشمس والقمر عند قرب الأفق.

وقد دحض ابن الهيثم في كتابه البصريات نظرية انبعاث الرؤية التي طرحها إقليدس وبطليموس، والتي جاء فيها أن العيون تبعث أشعة من الضوء، ثم تتلامس هذه الأشعة مع الأشياء التي يتم النظر إليها. وبدلاً من ذلك، اقترح نظرية التغلغل، التي تقول بأن الرؤية تحدث عندما تنعكس أشعة الضوء من الأشياء ثم تدخل أعيننا.

الطريقة التجريبية

رسم يُظهر ابن الهيثم ممثلاً العقل والمنطق، ويقابله غاليلو غاليلي، الذي يُمثل الحواس.

ويُنسب إلى ابن الهيثم أيضًا إدخال الطريقة التجريبية في علم البصريات. وكان أول من أصر على أن الفرضية يجب أن تكون مدعومة بتجارب مبنية على إجراءات مؤكدة أو أدلة رياضية. كان هذا النهج بمثابة تحول كبير عن النهج اليوناني السائد في العلوم، والذي اعتمد في المقام الأول على التفكير الفلسفي المجرد.

لقد قلبت اكتشافات ابن الهيثم في مجال البصريات والرؤية قرونًا من سوء الفهم. وفي تجاربه، لاحظ أن الضوء القادم من خلال ثقب صغير ينتقل في خطوط مستقيمة ويسقط صورة على الجدار المقابل.

لكنه أدرك أن دخول الضوء إلى العين ما هو إلا الخطوة الأولى في الرؤية. لقد بنى على عمل الطبيب اليوناني جالينوس الذي قدم وصفًا تفصيليًا للعين والممرات البصرية. اليوم أقدم رسم معروف للجهاز العصبي هو من كتاب البصريات لابن الهيثم، والذي يوضح العيون والأعصاب البصرية.

اقترح ابن الهيثم أن أشعة الضوء التي تضرب سطح العين مباشرة هي فقط التي تمر إلى العين، مما يخلق تمثيلاً للعالم. وكان كيبلر في القرن السادس عشر هو الذي صحح هذا الأمر واقترح أن الشيء المبصر – أي ما يُرى يأتي من الأشعة المتعامدة والزاوية التي تضرب العين لتشكل صورة مقلوبة على شبكية العين.

ومن بين رؤى ابن الهيثم الأخرى فهمه للدور الحاسم للتباين البصري. على سبيل المثال، أدرك أن لون الجسم يعتمد على لون البيئة المحيطة به، وأن التباين في مستويات السطوع يفسر سبب عدم قدرتنا على رؤية النجوم أثناء النهار.

كما اشترك ابن الهيثم في أسلوب التحليل التجريبي المصاحب للمسلمات النظرية الذي يشبه في بعض النواحي المنهج العلمي الذي نعرفه اليوم. وأدرك أن الحواس معرضة للخطأ، فابتكر أساليب التحقق والاختبار والتجريب ليكشف حقيقة الظواهر الطبيعية التي يدركها. حتى هذا الوقت، كانت دراسة الظواهر الفيزيائية عبارة عن نشاط مجرد مع تجارب عرضية.

بحثًا عن الأدلة، درس ابن الهيثم العدسات، وجرب مرايا مختلفة: مسطحة، وكروية، ومكافئة، واسطوانية، ومقعرة، ومحدبة. وكانت نتائجه العملية واضحة:

وكتب: "الأشياء المرئية التي نراها من خلال انكسار الضوء - عبر المواد السميكة مثل الماء والزجاج - أكبر من حجمها الحقيقي".

فهم الضوء واللون

الصورة عبر picryl

قدم ابن الهيثم العديد من المساهمات المهمة في فهمنا للضوء واللون. وكان أول من فهم أن الرؤية تحدث عندما يرتد الضوء عن الجسم ثم يوجه إلى العين. كما أجرى تجارب متنوعة على المرايا والعدسات، مما أدى إلى تفسيره الصحيح لكيفية رؤيتنا للصور.

اعتقد ابن الهيثم أن الضوء واللون من الخصائص الفيزيائية التي توجد بشكل مستقل عن الراصد. واقترح أن كل نقطة من الجسم المرئي تبعث أشعة ضوئية في كل اتجاه، ولون الجسم الذي نراه هو لون الضوء الذي يعكسه. أجرى العديد من التجارب على المرايا والعدسات، ودرس الانعكاس والانكسار وطبيعة الصور المتكونة بواسطة الأشعة الضوئية. لقد قدم مساهمات كبيرة في علم كاتوبتريك (دراسة انعكاس الضوء) وعلم ديوبتريك (دراسة انكسار الضوء).

وأوضح أننا نرى الصور لأن الضوء الصادر من الجسم يدخل إلى العين ويشكل صورة على شبكية العين. تتم بعد ذلك معالجة هذه الصورة بواسطة الدماغ لإنتاج الإدراك النهائي للكائن. كما أجرى فحصًا شاملاً لمرور الضوء عبر الوسائط المختلفة واكتشف قوانين الانكسار. ولاحظ أن النسبة بين زاوية السقوط والانكسار لا تبقى ثابتة.

الإرث

Human eye (Ibn al-Haytham).svg - Wikimedia Commons

كان لعمل ابن الهيثم تأثير عميق على مجال البصريات، كما وضع الأساس للبصريات الفيزيائية الحديثة. تم الاستشهاد بأعماله بشكل متكرر خلال الثورة العلمية من قبل شخصيات بارزة مثل إسحاق نيوتن، ويوهانس كيبلر، وكريستيان هويجنز، وجاليليو جاليلي.

وكان أيضًا من أوائل المؤيدين لمفهوم أن الفرضية يجب أن تكون مدعومة بتجارب مبنية على إجراءات مؤكدة أو تفكير رياضي. وهذا ما جعله رائدًا مبكرًا في المنهج العلمي، قبل علماء عصر النهضة بخمسة قرون.

وبعد وفاته، كانت كتابات ابن الهيثم أكثر تأثيرًا باللغة اللاتينية من العربية. إن العمل المهم الوحيد باللغة العربية الذي اعتمد على أفكار ابن الهيثم تم إنتاجه في أوائل القرن الرابع عشر (في إيران الحالية) على يد كمال الدين الفارسي، الذي كان هو نفسه مفكرًا علميًا لامعًا.

عندما تُرجم كتاب البصريات لابن الهيثم إلى اللاتينية، كان له تأثير كبير وتمت دراسته/قراءته على نطاق واسع. تم نشره كنسخة مطبوعة عام 1572 حتى يمكن إتاحته بسهولة أكبر. واختار الفلكي البولندي يوهانس هيفيليوس تكريم ابن الهيثم، إلى جانب غاليليو، في أشهر أعماله عن القمر، سيلينوغرافيا، التي نُشرت عام 1647.

بعض الأسئلة التي أثارها ابن الهيثم ظلت دون حل لألف عام. إحدى هذه المشاكل كانت تسمى "مسألة الهيزن" والتي قدم لها حلاً هندسيًا: "إذا كان لديك مصدر ضوء ومرآة كروية، أوجد النقطة على المرآة التي ينعكس فيها الضوء إلى عين الراصد". قام ابن الهيثم بحل هذه المشكلة هندسيًا، لكنها ظلت دون حل باستخدام الطرق الجبرية حتى تم حلها أخيرًا في عام 1997 على يد عالم الرياضيات في أكسفورد بيتر إم نيومان.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الألغاز. وأكد ابن الهيثم أن الخداع البصري هو السبب وراء ظهور القمر بهذا الحجم عندما يكون منخفضا في السماء قريبا من الأفق مقارنة بحجمه في ذروة الارتفاع، ولا أحد يعرف حتى الآن سبب حدوث ذلك. هذه وغيرها من الأسئلة في العلوم، لم يتم حلها بعد، مما يترك لنا إرثًا من المؤامرات التي يتعين علينا معالجتها اليوم.

وفي الختام، فإن مساهمات ابن الهيثم في مجال البصريات وإدخاله للمنهج العلمي كانت بالفعل رائدة. لقد وضع عمله الأساس للبصريات الحديثة وأثر بشكل كبير على تطوير منهجية البحث العلمي، مما جعله شخصية رئيسية في تاريخ العلوم.

المزيد من المقالات