أهي حقيقةٌ أم خرافةٌ؟ عندما تأكل الكرفس أنت تحرق سعراتٍ حراريةً أكثر ممّا تستهلك

يرتبط حرق السعرات الحرارية عادةً بالجهد البدني الذي يؤدّي إلى الإحساس بخفقان القلب، مثل تمارين القلب (الكارديو Cardio) والتدريبات المتضمّنة حمل أثقالٍ وتمارين الرياضات الهوائية (ايروبيكس Aerobics): فإذا كنت ترغب في التخلّص من الوزن الزائد، عليك بتحريك جسمك. ولكنْ ألن يكون شيئاً عظيماً لو تمكّنت من حرق السعرات الحرارية وأنت مستلقٍ على الأريكة؟ أو حتى أفضل من ذلك، ألن يكون رائعاً لو تمكّنت من حرق السعرات الحرارية أثناء تناولك للطعام؟

قد يبدو ذلك الأمر معاكساً للبديهة، لكنّ الإنترنت مليءٌ بحكاياتٍ عن أطعمةٍ سحريةٍ "ذات سعرات حرارية سلبية"، وهي أطعمةٌ عندما تأكلها وتهضمها، فإنك تحرق سعراتٍ حراريةً أكثر ممّا تحتوي عليه بالفعل. الكرفس هو الطعام الأكثر استخداماً كمثالٍ عن السعرات الحرارية السلبية، لكنّ بحثاً بسيطاً على جوجل سوف يكشف عن مجموعةٍ واسعةٍ من أطعمةٍ أخرى يُزعَم أنها تتمتّع بهذه الصفة. هل هناك حقيقةٌ علميةٌ وراء هذه النظرية، أم أنّ الأطعمة ذات السعرات الحرارية السلبية هي ببساطة شيءٌ يفوق ما يمكن أن يكون حقيقياً؟

هل الأطعمة ذات السعرات الحرارية السلبية موجودةٌ بالفعل؟

في حين أنّ شرب عصير الكرفس قد يكون أحدث التقليعات (غير المؤكَّدة)، فإنّ أصل الرواية عن ميزات الكرفس المتعلّقة باللياقة البدنية يكمن في المقولة الزاعمة بأنه ما يمكن أن نطلق عليه اسم طعامٍ ذي "سعراتٍ حراريةٍ سلبيةٍ". هل سبق لك أن سمعت في يومٍ من الأيام بأنك عن طريق تناول الكرفس ستحرق سعراتٍ حراريةً أكثر مما تستهلكه ؟ إذن لقد تمَّ الكذب عليك.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

ميليسا ماجومدار Melissa Majumdar هي مسؤولة عن تنسيق علاج البدانة في مستشفى جامعة إيموري Emory في وسط المدينة، وهي المتحدثة باسم أكاديمية التغذية وعلم النظُم الغذائية. تخبرنا ماجومدار بعكس المزاعم السابقة أنه مثلما هو الحال تماماً مع العديد من بدعات الأنظمة الغذائية الأخرى، فإنّ تناول ما يُسمَّى بالأطعمة ذات السعرات الحرارية السلبية مثل الكرفس ليست له قاعدةٌ صحيحةٌ من الناحية العلمية ولا هو مفيدٌ على المدى الطويل.

ليس من الواضح تماماً من أين نشأ هذا الادعاء، لكنه لا يزال موجوداً في كتبٍ عديدةٍ وفي مُدوّناتٍ على الشبكة العنكبوتية، بينما لا يجد العلماء غضاضةً في وصفه بأنه "خرافة".

إنّ الأساس النظري لذلك الادعاء يستند إلى الفكرة القائلة بأنّ جسمك ينفق كمياتٍ صغيرةً من الطاقة حتى عندما لا تمارس تمارينَ رياضيةً: على سبيل المثال، مجرّد إبقاء جسمك جالساً في وضعٍ مستقيمٍ على مكتبك يتطلّب 60 إلى 130 من السعرات الحرارية في الساعة.

لا توجد أطعمة ذات سعرات حرارية سلبية

الصورة عبر Randy Fath على unsplash

تفترض هذه الخرافة أنّ تحريك فكّك لمضغ الكرفس وهضمه سوف يحرق سعراتٍ حراريةً أكثر ممّا يحتوي عليه الكرفس أو ما يعادله من الأطعمة المائية. لكنْ في واقع الأمر، هذا الادعاء هو محضُ هراءٍ، حسبما تقول ماجومدار.

توضِّح ماجومدار ما يحدث فتقول: "بما أنّ جميع الأطعمة تحتوي على سعراتٍ حراريةٍ، فلا توجد أطعمةٌ ذات سعراتٍ حراريةٍ سلبيةٍ".

وفي حين أنه من الصحيح أنّ أجسامنا تحرق القليل من الطاقة من أجل استهلاك طعامنا، إلّا أنّ ذلك لا يقترب بأيّ شكلٍ من الأشكال من معادلة ما هو موجودٌ من سعراتٍ حراريةٍ في الطعام نفسه.

تتابع ماجومدار الشرح فتقول: "إنّ عملية هضم الطعام وامتصاصه تستهلك حوالي 10 بالمائة من السعرات الحرارية التي تدخل جسمنا، ويطلق على هذه النسبة اسم التأثير الحراري للطعام (TEF)." “إذا تمّ قياس الاستقلاب بعد تناول الطعام، نلاحظ أنّ هناك زيادةً طفيفةً في معدّل هذا الاستقلاب لأنّ الجسم يعمل على تحويل الطعام إلى طاقة. يتأثّر مقدار التأثير الحراري للطعام TEF بمّا يأكله الشخص: فالوجبات الكبيرة تتطلّب مزيداً من السعرات الحرارية كي يتمّ استقلابها، كذلك كلٌّ من المكوِّنات الغذائية الرئيسية المختلفة يتمّ استقلابها بشكلٍ مختلفٍ عن الآخر“.

إذا تناول شخصٌ ما 2000 سعرة حرارية، على سبيل المثال، فإنّ جسمه سيحرق 200 سعرة حرارية من إجمالي تلك الكمية من خلال عملية الهضم، كما تقول ماجومدار. أما بالنسبة لساقٍ من الكرفس يحتوي على حوالي 10 سعرات حرارية لا غير، فإنّ مقدار التأثير الحراري سيكون ضئيلاً للغاية ويمكن إهماله.

وتدعم البحوث العلمية أيضاً ما ذكرناه أعلاه، ومنها دراسةٌ أجريت عام 2013 ونُشرَت في مجلة وقائع مجتمع التغدية (بروسيدينغس اوف نيوتريشن سوسايتي Proceedings of the Nutrition Society)، حيث وجدت أنّ الكرفس لم يولِّد توازناً سلبياً في الطاقة في مجموعةٍ مكوَّنةٍ من 15 امرأة.

ما الذي يوجد أيضاً في موضوع الكرفس؟

الصورة عبر jackmac34 على pixabay

تقول ماجومدار إنّ مقدار السعرات الحرارية ليس هو الشيء الوحيد الذي يجب عليك مراعاته عند إعداد وجباتك.

إنّ محتوى الطعام من المكوِّنات الغذائية وكثافة هذه المكوِّنات هما أمران مهمّان أيضاً. يُعَدّ الكرفس مصدراً جيّداً للفيتامين سي C وللبوتاسيوم وللألياف -ناهيك عن الماء- ولكنْ لا توجد أشياءٌ إضافيةٌ كثيرةٌ عدا عن ذلك ضمن باطنه الأخضر. فهو يفتقر إلى المكوِّنات الغذائية الرئيسية الضرورية مثل الدهون والبروتينات والكربوهيدرات.

تقول ماجومدار: "يجب أن تتكوَّن الوجبات من أطعمةٍ تتضمَّن كلّ المجموعات الغذائية من أجل توفير جميع المكوِّنات الغذائية اللازمة". "فلا ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار المحتوى من السعرات الحرارية وحده."

مع أنه من غير المرجّح أن تبالغ في تناول المحتوى المائي لحفنةٍ من أعواد الكرفس، إلّا أنّ هناك خطراً حقيقياً للتسمّم بالماء أو "الانسمام المائي" عند استهلاك أكثر من لترٍ واحدٍ من الماء في الساعة.

وعلى الرغم ممّا قد يخبرك به أصحاب النفوذ من منتجي قوارير المياه هايدرو فلاسك Hydro Flask، فإنّ هناك شيئاً يُدعى تناول الماء بشكلٍ أكثر من اللازم: وإذا كنت تسرف في شرب كمياتٍ كبيرةٍ من الماء طوال اليوم، عندها ربّما يُفضَّل أن تفكّر في إحداث المزيد من التنوّع في الطعام الذي ستستهلكه لاحقاً.

الأطعمة ذات "السعرات الحرارية السلبية" ليست خطةً جيّدةً لخسارة الوزن

الصورة عبر Brooke Lark على unsplash

ينبغي أن يُقالَ أيضاً إنّ السعرات الحرارية في حدِّ ذاتها ليست كلمةً يتلازم السوء دوماً مع وجودها.

تحتاج أجسامنا فعلياً إلى السعرات الحرارية للقيام بأيّ شيء. واتّباع حميةٍ غذائيةٍ تتكوَّن فقط من الأطعمة التي تحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من الماء مثل الكرفس أو البطيخ أو الخس لن يكفي ببساطة لإنجاز المهمّة المطلوبة.

تقول ماجومدار: "الأطعمة التي تحتوي على نسبةٍ أكبر من الماء، مثل الفواكه والخضروات، ستكون ذات سعراتٍ حراريةٍ أقلّ، وبالتالي توفّر طاقةً أقلّ".

وعلى الرغم من أنّ وجود عجزٍ في مقدار السعرات الحرارية (أي أنك تحرق خلال اليوم سعراتٍ حراريةً أكثر مما تتناوله) يُوصى به لفقدان الوزن، إلّا أنها تقول إنّ اتّباع خرافات الأنظمة الغذائية مثل التي تكلّمنا عنها ليس هو الطريقة للوصول إلى الهدف المرجو بشكلٍ مستدام.

تقول ماجومدار: "من أجل فقدان الوزن بشكلٍ مستدام، أودّ أن أنصح الأشخاص بعدم اختيار الأطعمة على أساس مقدار السعرات الحرارية وحده". "إذا كان التركيز بأكمله ينصب على المقدار المُتناوَل من السعرات الحرارية دون النظر إلى قيمة الطعام من حيث التغذية أو إلى ما يفضلّه كل شخص من أطعمة أو إلى طريقة إعداد الطعام وهلمَّ جرّاً، فإنّ هذا الأمر لن يكون مستداماً ولا صحّياً."

المزيد من المقالات